فصل: الخامسة: رد اليدين من مؤخر الرأس إلى مقدمه إن بدأ به.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الخامسة: رد اليدين من مؤخر الرأس إلى مقدمه إن بدأ به.

.السادسة: أن يرتب وضوءه:

فيبدأ بغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يستشف، ثم يغسل وجهه، ثم يده اليمنى، ثم يده اليسرى، ثم يمسح رأسه ثم أذنيه ثم يغسل رجله اليمنى، ثم رجله اليسرى.
والمشهور أن الترتيب المذكور سنة، وهي رواية المصرتين، وروى علي بن زياد وجوبه، وقيل: إنه مستحب.
فروع ثلاثة:
الأول: إذا فرعنا على الوجوب مخالفة، فمقتضى ذلك أنه يبتدئ، وكذلك روى علي بن زياد، لكن حكى القاضي أبو الوليد خلافا في الترتيب، هل هو من شرط الصحة، وإن قيل بالوجوب، أم لا؟ فعلى هذا يختلف في الابتداء على قولين، وإن قلنا بالوجوب.
الفرع الثاني:
إذا فرعنا على أنه سنة، فنكس متعمدا، فهل يساوي من نكس ناسيا؟ قولان:
أحدهما: أنه يعيد مع العمد، قريبا كان أو بعيدا.
والثاني: أنه كالناسي فلا يعيد، وهما على ما تقدم في تارك السنن متعمدا هل تجب عليه الإعادة أم لا؟ فأما على القول بالاستحباب فلا إعادة أصلا.
الفرع الثالث:
مرتب على هذا، وهو إذا قلنا يتلافى، فكيف ذلك؟ أما إن كان بحضرة الماء فإنه يبتدئ ليسارة الأمر عليه. وأما إن بعد عن الماء حتى جف وضوءه، فقولان:
أحدهما: أنه يعيد ما نكسه لا غير.
والثاني: أنه يعيده وما بعده.
وأما:

. فضائله:

فأربع:

.التسمية:

وروى الواقدي: ليس ذلك مما يؤمر به، من شاء قال ذلك، ومن شاء لم يقله. وروى علي بن زياد إنكارها.

.والسواك بعود رطب أو يابس:

والأخضر أحسن ما لم يكن صائما، فإن لم يجد عودا استاك بأصبعه.

.وأن يبدأ بمقدم رأسه في المسح:

إذ المستحب في صفة مسحه أن يبدأ بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي منه بدا، وإن كان الاستيعاب مجزيا كيف ما حصل.
فأما ما ذكر الشيخ أبو القاسم في تفريعه في صفة المسح من رفع الراحتين عن الفودين في الابتداء وإلصاقهما بهما في الانتهاء، وكذلك في الأصابع، فقال القاضي أبو محمد: كان رحمه الله يقول: إنما قلت ذلك لئلا يكون مكرا للمسح، وفضيلة التكرار مقصورة على الغسل دون المسح.
قال القاضي أبو محمد: وسألت القاضي أبا الحسن شيخنا رحمه الله عن ذلك، فقال هذا غير محفوظ عن مالك، ولا عن أحد من أصحابنا، قال: والاحتراز الذي ذكر أنه لأجله اختار هذا، لا معنى له؛ لأن التكرار الذي نمنعه ونقول: إن لا فضيلة فيه، هو أن يكون بماء جديد، فأما بماء واحد فلا يمنعه أصحابنا.

.وأن يكرر المغسول ثلاثا:

وتكره الزيادة على الثلاث.
ولو شك هل غسل ثلاثا أو اثنين اقتصر على ما فعل، بخلاف الشك في أصل الغسل، فإنه يعيد كل ما شك في غسله أو مسحه من جميع أفعال الوضوء، وليس المسح بالمنديل من الفضائل، ولكن لا بأس به.

.الباب الثاني: في الاستنجاء:

وهو إزالة النجو، والنجو هو الحدث نفسه وتسميته بذلك تجوز واتساع، كتسميته بالغائط.
وفيه فصول:

.الفصل الأول: في آداب قضاء الحاجة:

وهي أن يطلب الموضع البعيد الساتر، وأن يتقي الملاعن، وهي مواضع جلوس الناس وطرقاتهم، وظلال الجدر والشجر، وشاطئ النهر.
وأن يتجنب البول في الحجر، وفي الماء الدائم. وأن يستعد ما يقلع الحدث.
ويقدم الذكر قبل الوصول إلى موضع الحدث، ويجوز له أيضا بعد وصوله أن كان موضعا غير معتاد للحدث، وإن كان معتادا له، فقولان في جوازه ومنعه، وهما جاريان أيضا في جواز الاستنجاء بالخاتم مكتوب فيه ذكر.
وأن يديم الستر حتى يدنو من الأرض إن أمن نجاسة ثوبه، وأن يبول جالسا إن كان المكان طاهرا، فإن كان نجسا رخوا فله أن يبول قائما، وإن كان نجسا صلبا تجنبه وعدل إلى غيره.
وأن يترك التشاغل بالحديث وإنشاد الشعر عند قضاء الحاجة، وأحرى أن لا تجوز القراءة.
وأن لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها إذا كان الموضع عاريا من الساتر وبناءات المراحيض، وله أن يستقبل أو يستدبر إذا كان ذا ساتر مراحيض تلجئ إليه، وإن لم يكن ساترا، وفي جواز الاستقبال والاستدبار، مع وجود الساتر وإن لم تكن مراحيض ومنعهما، روايتان، سببهما: هل النهي لحرمة المصلين أو لحق القبلة؟
وهل يتنزل الوطء منزلة قضاء الحاجة أو يجوز مطلقا مستقبلا ومستدبرا؟ قولان،
مثارهما: هل النهي للعورة فيستويان، أو الخارج فيفترقان؟ وحكى ابن سابق عن ابن حبيب: أنه لا يجوز في صحراء ولا بنيان.

.الفصل الثاني: فيما يستنجي عنه:

ويستنجي عن كل ما يخرج من المخرجين معتادا سوى الريح، ويجزي الاستجمار، فيما عدا المني، وكذلك المذي على المشهور، من جميع المعتاد.
قال الشيخ أبو بكر وغيره: ويجزي في النادر كالحصا والدم والدود، كما في الغائط؛ لأنه ليس بآكد منه.
وإذا فرعنا على منع إجزاء الاستجمار من المذي وهو المشهور، فهل يجزي فيه الاقتصار على غسل موضع الأذى؟ قولان:
رأى المغاربة وبعض البغداديين: أنه لا يجزي، بل يغسل جميعه. واجتزأ فيه الشيخ أبو بكر وابن المنتاب بغسل موضع الأذى خاصة؛ كالبول والودي، قال الشيخ أبو بكر: وما سمعت بغسل الذكر منه إلا من المغاربة.
التفريع: إن قلنا بغسل موضع الأذى خاصة، كما قال البغداديون، فلا تفريغ.
وإن قلنا لا بد من غسل جميعه كرأي المغاربة فقد اختلفوا، هل يفتقر إلى نية لغسله؛ إذ هو عبادة، لأنه تعدى محل موجبه أو لا يفتقر إلى إحضار نية عند غسله، لأن تعديه معلل بالقصد إلى قطع أصل المذي؟ قولان لأبي العباس الإبياني، والشيخ أبي محمد.

.الفصل الثالث: فيما يستنجى به:

وهو الماء والأحجار على الجمع وعلى التفريق بحسب الاختيار.
وقال ابن حبيب: لا يقتصر على الأحجار إلا عند عدم الماء.
ثم حيث جوزناه بالأحجار، فيقوم مقامها في الجواز على المشهور كل جامد طاهر منق ليس بمطعوم ولا ذي حرمة، فلا يجوز بالنجس ولا بالروث والزجاج الأملس والمطعوم. والعظم مطعوم.
فرع:
لو استجمر بالنجس أو بالعظم أو الروث إذا صححنا وورد النهي عنهما أو بالحممة وصلى، ففي إعادة الصلاة في الوقت المختار خلاف.
والاحتراز بذي الحرمة من جدران المساجد والأوراق المكتوبة، ويلحق بذلك ما في الاستجمار به سرف كالجواهر النفيسة، ويجري هذا كله، على ما تقدم في المنهي عنه، وذلك إذا أنفى.
وقيل: يقتصر على الأحجار ولا يلحق بها غير ها سوى ما في معناها من الجواهر الأرضية، ما دامت من جنس الأرض.
فإن انتشرت الحدث عن المخرج فلا بد من الماء، إلا أن يقرب جدا بحيث لا ينفك عن الإصابة في العادة، فلا يطلب بغسله. وقيل: يؤمر به ولا يكفي الاجتزاء فيه بالحجر عن الماء، وإن كان من القرب كما ذكر.

.الفصل الرابع: في كيفية الاستنجاء:

والأولى فيه الجمع بين الماء والأحجار، فالأحجار لتخفيف العين عن الموضع، ثم الماء للإنقاء ولإزالة الأثر، فإن شاء الاقتصار على أحدهما، فالماء أفضل؛ لأنه يذهب العين والأثر.
والمستحب في صفة استعمال الماء أن يبدأ بغسل يده اليسرى قبل ملاقاة الأذى بها، ثم يغسل محل البول، ثم ينتقل إلى محل الغائط فيرسل الماء ويوالي الصب على يده غاسلا بها المحل، ويسترخي قليلا ليتمكن من الإنقاء، ويجيد العرك حتى ينقي وتزول اللزوجة، ولا يضره بقاء الرائحة بيده إذا أنقى.
وأما الأحجار فليستنج بثلاثة أحجار لكل مخرج، وليبدأ بمخرج البول، ولا يلزمه طلب الثلاثة إذا أنقى بدونها.
وقال القاضي أبو الفرج والشيخ أبو إسحاق: يلزمه طلبها، ثم حيث أمر بطلبها ففي الاجتزاء عنها بحجر له ثلاث شعب خلاف.
ولو لم يحصل الإنقاء بالثلاثة طلب الرابع والخامس حتى يحصل، ثم كيف ما حصل الإنقاء أجزأ.
لكن اختلف هل الأولى أن يمر كل حجر على جميع الموضع، أو يمر واحدا على الصفحة اليمنى وآخر على اليسرى والثالث على الوسط على طريقين للأصحاب.
فروع ثلاثة:
الأول: أنه ليس على من بال أن يقوم ويقعد ويزيد في التنحنح، ولكن ينتر ويستفرغ جهده على ما يرى أن حاله يقتضيه من إطالة أو اقتصار، ويستبرئ ذلك بالنفض والسلت الخفيف.
الفرع الثاني:
لو ترك الاستنجاء والاستجمار وصلى، أعاد في الوقت. وروى ذلك محمد بن مسلمة في المبسوط.
وقال أبو زيد عن ابن القاسم. وروى أشهب: أرجو أن لا تكون عليه إعادة. قال الشيخ أبو محمد: أراه يريد إذا مسح أو كان يبعر.
وأجرى أبو الحسن اللخمي فيه قولا بالإعادة أبدا على القول بأن إزالة النجاسة فرض.
الفرع الثالث:
إذا عرق في الثوب بعد الاستجمار، فقال القاضي أبو الحسن ينجس.
وأبى ذلك القاضي أبو الوليد، وعلل بأنه مما لا يمكن الاحتراز منه، وتلحق به المشقة كموضع النجو.

.الباب الثالث: في موجبات الوضوء:

وفيه فصلان:

.(الفصل) الأول في بيانها:

ولا تنتقض الطهارة بالفصد والحجامة والقهقهة في الصلاة وغيرها، ولا من أكل شيء، مسته النار أو لم تمسه، ولا من شرب شيء، وإنما تنتفض بأمرين: أحداث وأسباب.
القسم الأول: الأحداث:
ونعني هبا ما ينقض الوضوء بنفسه، لا بما يؤدي إليه، وهي ما خرج من أحد السبيلين معتادا في جنسه وأوقاته، وذلك من القبل ثلاثة: البول والمذي والودي. ومن الدبر: الغائط والريح. قال الشيخ أبو الطاهر: وزاد بعض أشياخي الصوت، قال: وما أظنه يكون بغير ريح.
فإن فارق الخارج العادة في النجس، فكان غير معتاد، أعني غير هذه، فلا ينقض. ورأى محمد بن عبد الحكم أنه ينقض نظرا إلى المخرج.
وإن فارقها في الوقت فكان سلسا على وجه الاستنكاح لم ينقض، على المعروف من المذهب.
وقال الإمام أبو عبد الله: وقد روي عن مالك رضي الله عنه ما ظاهره ترك العذر بالتكرار، وإجراء ما تكرر من ذلك على الأصل، ولم يعذر فيه بالحرج والمشقة.
وإذا فرعنا على المعروف، فللخارج أربعة أحوال:
أحدها: أن يلازم ولا يفارق، فها هنا لا يجب الوضوء؛ لأن وجوبه حرج، ولا يستحب، إذ لا فائدة والخارج يسيل مع الوضوء.
الحال الثاني: أن يلازم أكثر مما يفارق، فلا يجب الوضوء لسقوط الحرج، ويستحب ما لم يكن بردا وضرورة.
الحال الثالث: أن يتساوي لزومه ومفارقته، ففي الوجوب قولان، وهما خلاف في شهادة بوجود الحرج وعدمه.
الحال الرابع: أن تكون مفارقته أكثر، فمذهب الكتاب الإيجاب شهادة بفقد الحرج أو بقد ما يسقط العبادة. ومذهب العراقيين سقوط الوجوب تعويلا على أن الوجوب متعلق بالاعتياد، ولا قياس ها هنا، أو نظرا إلى وجود الحرج.
فرعان:
الأول: أن هذا الذي قلنا، إذا لم يقدر على معالجته، فإن قدر كالمذي يلازم لطول عزبة يقدر على رفعها نفقد اختلف فيه العراقيون على قولين، أنه: من ملك أن يملك هل يعد مالكا أم لا؟
الفرع الثاني:
حيث قلنا بإسقاط الوضوء، فهل يكون ذلك رخصة لمن نزل به لا يتعداه، أو سقوط ذلك يجعل الخارج كالعدم؟ فيه قولان، ينبني عليها جواز إمامته لغيره.
وكذلك الخلاف في إمامة من تنفصل منه نجاسة لا يقدر على الاحتراز منها، كمن به قروح.
ولو فارق في المحل خاصة، كما لو خرج المعتاد على العادة من غير المخرج، فللمتأخرين في نقض الطهارة به قولان، سببهما النظر إلى العادة والخارج، أو النظر إلى المخرج، فإن لم يخرج على العادة وخرج نادرا لم ينقض الوضوء.
وقال أبو الحسن اللخمي في القيء يتصف بأحد أوصاف نواقض الطهارة: أنه ينقض، ورآه القياس، وعلل بأن الانتقاض للخارج لا للمخرج.
القسم الثاني: الأسباب:
ونعني بها ما لا ينقض الوضوء بنفسه، ولكن بما يؤدي إليه.
وهي ثلاثة أنواع:
الأول: زوال العقل بإغماء أو جنون أو سكر أو نوم:
كل ذلك ينقض الطهارة مطلقا، إلا النوم ففيه تفصيل واختلاف، واختلفت طريقنا أبي الحسن اللخمي وأبي محمد عبد الحميد في تحرير المشهور من ذلك، فاعتبر أبو الحسن اللخمي زمانه وكيفيته، فقسمه، بحسب ذلك أربعة أقسام.
[1] طويلا ثقيلا، يؤثر في نقض الوضوء بلا خلاف في المذهب.
[2] وقصيرا خفيفا لا يؤثر على المعروف منه.
[3] وخفيفا طويلا يستحب منه الوضوء.
[4] وثقيلا قصيرا في تأثيره في النقض قولان.
وقال بعض المتأخرين: القولان جاريان في الثالث أيضا.
واعتبر أبو محمد عبد الحميد الهيئات، فقال: إن كان النائم على هيئة يتهيأ منه الطول وخروج الحدث كالساجد، نقض. وإن كان بالعكس فيهما كالقائم والمحتبي لم يؤثر.
وقال: وإن انقسم الأمر فكان إمكان الطول مع عدم إمكان خروج الحدث غالبا، كالجالس مستندا أو عكسه كالراكع، ففي كل هيئة منها قولان، سببهما تعارض موجب ومسقط.
قال الشيخ أبو الطاهر: وهذه الطريقة أشبه بمقتضى الروايات، ثم قال: ومقصود الجميع النظر إلى الغالب، فإن كان يمكن خروج الحدث ولا يشعر به، وجب الوضوء، وإن كان الأمر بالعكس لم يجب. وغن أشكل الأمر فهو بمنزلة من تيقن الطهارة ثم شك في خروج الحدث.
النوع الثاني: لمس من توجد اللذة بلمسه في العادة:
إذا وجدها اللامس، وإن لم يقصدها، وكذلك إذا قصدها وإن لم يجدها على المنصوص.
واستقرأ بعض المتأخرين من مسألة الرفض أنه لا ينقض وتعقب بالفرق بمقارنة الفعل، فإن لم يقصد ولم يجد، فلا ينتقض وضوءه؛ لحديث عائشة رضي الله عنها وهو ما روى أبو بكر البزار، عن إسماعيل بن يعقوب بن صبيح، عن محمد بن موسى بن أعين، عن أبيه عن عبد الكريم، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة رضي الله عنها: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ».
قال عبد الحق: عبد الكريم هو الجزري، ثقة جليل.
وأما الملموس فإن وجد اللذة توضأ، وإن لم يجدها فلا وضوء عليه ما لم يقصد، فيكون لامسا إلا أن تكون القبلة على الفم، فلا تراعي اللذة فيها، لأنها لا تكاد تعدم معها.
وروي أنها تراعي، وهو خلاف في شهادة.
ولو كان اللمس من وراء حائل، فروي ابن القاسم وجوب الوضوء مطلقا. وقيد علي بن زياد هذه الرواية بأن يكون الحائل خفيفا.
فأما لو نظر فالتذ بمداومة النظر ولم ينتشر ذلك منه، فلا يؤثر في نقض الطهارة؛ لأن تأثيره حرج. وانفرد ابن بكير بأنه يؤثر. ولو أنعظ فكمل إنعاظه، فقولان للمتأخرين، ورويا وسببهما الشهادة بأنه لا ينكسر في العادة إلا عن مذي أو قد ينكسر دونه.
النوع الثالث: مس الذكر:
وينتقض الوضوء به في الرواية الأخيرة لحديث بسرة، لكن قيد بكونه على صفة مخصوصة اختلف في تعيينها، فرأى العراقيون أنها اللذة. ورآها في المجموعة العمد، واعتبر أشهب مسه بباطن الكف، واعتبر في الكتاب باطن الكف أو باطن الأصابع.
قال الشيخ أبو الطاهر: والكل مجمعون على مراعاة وجود اللذة وفقدها لكن عدوا في الروايات أن فقدها، مع ما قيدوه، نادر فلا يراعى، وراعاه العراقيون.
وقال شيخه الإمام أبو عبد الله: من لم يراع اللذة من أصحابنا، ورأى أن مجرد مسه بباطن الكف، سهوا وعمدا، ينقض الوضوء، فإنه يرى أن نقض الوضوء بمسه حكم غير معلل.
فرعان:
الأول: لو مسه بأصبع زائدة، فقال القاضي أبو بكر: اختلف فيه أصحابنا قال: والأظهر وجوب الوضوء.
الفرع الثاني:
لو مسه من فوق حائل، فقال القاضي أبو الحسن: العمل من الروايات على أنه إذا مسه من فوق ثوب أو من تحته انتقضت طهارته.
وقال القاضي أبو بكر: روى ابن وهب: إذا مسه على غلالة خفيفة انتقض وضوؤه، ولا حكم لمس الذكر المبان ولا لمس ذكر الغير، إلا من باب الملامسة، ولا ينتقض وضوء من مس ذكره غيره.
وقال الأيلي البصري من أصحابنا: ينتقض وضوؤه.
وفي مس المرأة فرجها ثلاث روايات.
النقض ونفيه، لعلي بن زياد وابن القاسم.
والتفرقة بين أن تلطف فيجب الوضوء، وبين أن لا تلطف فلا يجب، وهي رواية ابن أبي أويس.
واختلف المتأخرون في بقاء هذه الروايات على ظاهرها وعدها ثلاثا، أو عد المفصل مفسرا، أو عد المذهب على قولين: نفي النقض مطلقا، والتفصيل على ثلاث طرق.
فرع:
قال إسماعيل بن أبي أويس: قلت لمالك: ما ألطفت؟ بقال: تدخل يدها في ما بين الشفرين.
ولا ينقض الوضوء من مس الدبر. وانفرد حمديس بأنه إذا مس حلقة الدبر وجب عليه الوضوء على القول بإيجاب الوضوء على المرأة في مس فرجها، قال: وعلى القول الآخر لا وضوء عليه.
قال عبد الحق: الفرق بينهما أن المرأة تلتذ بمس فرجها، وليس في مس الدبر لذة، قال ابن سابق: ولا يلزم هذا حمديسا، لأنه لم يعلل باللذة بل بمجرد اللمس.
وأما مس الخنثى المشكل لفرج نفسه، فقال الإمام أبو عبد الله: عندي أنه يتخرج على القولين في من أيقن بالوضوء وشك في الحدث، ثم قال وهذا على مذهب المغاربة، وأما على مذهب البغداديين، ففي أي الفرجين اعتاد وجود اللذة، تعلق الحكم به.
فإن قيل: أوضحوا حكم الشاك في الطهارة والمرتد، فإنه لم يبق مما يتعلق بإيجاب الوضوء سواهما. قلنا: أما الشك فله حالتان.
الأولى: حالة المستنكح ولا اعتبار بها، بل يعمل على أول خاطريه، لأنه مساو فيه لمن خاطره سليم، ويضرب عما سواه.
الحالة الثانية: حالة سلامة خاطره، وهي المعتبرة فينتقض وضوءه إذا شك في وجود الطهر والحدث جميعا، أو تيقن بهما جميعا وشك أيهما قبل صاحبه،؛ إذ لا يقين معه في الصورتين يستصحبه ويبني عليه.
وكذلك إن تيقن الحدث وشك في الوضوء أو في بعضه، لأنه على أصل الحدث، وكذلك لو شك مع ذلك أكان قبل الحدث أو بعده؟ فأولى بإيجاب الوضوء.
فإن أيقن بالطهارة وشك في طروء الحدث عليها، فروى ابن القاسم في الكتاب: أنه يعيد الوضوء، وروى ابن وهب في غيره: أحب إلي أن يتوضأ.
واختلف الأصحاب في تأويل رواية ابن القاسم، فأجراها القاضي أبو الفرج على الوجوب.
قال القاضي أبو الحسن: وإلى هذا كان ذهب شيخنا أبو بكر الأبهري، وأنا أختاره. وحملها أبو يعقوب الرازي على الاستحباب.
قال القاضي أبو محمد: وقد ذكر بعض المدنيين عن الأسلمي عن مالك فيمن أثبت أنه على وضوء، ثم شك في الحدث، قال: هو على وضوءه. قال القاضي أبو محمد: وهذا يؤيد قول من حمل رواية ابن القاسم على الاحتياط.
واعلم أن سبب القولين تقابل الأصليين؛ إذ استصحاب أصل الطهارة يقابله أصل آخر وهو كون الصلاة في ذمته بيقين، وقد اشترط في براءته منها أن يدخلها متيقنا كونه متطهرا حالة الدخول، ولا يجتمع اليقين والشك، فتعينت الطهارة لبراءة الذمة.
ولو كانت الصورة بحالها، إلا أنه شك مع ذلك هل كان حدثه قبل الوضوء أو بعده؟ فالقولان جاريان، وأولى ها هنا بعدم إيجاب الوضوء.
وأما المرتد إذا عاد إلى الإسلام قبل أن يحدث، فقد اختلف في تأثير الارتداد في نقض وضوئه على روايتين، سببهما الخلاف في الإحباط بدون الموافاة، هل يحصل أم لا؟ وجعله أبو الحسن اللخمي من الرفض.

.الفصل الثاني: في حكمها:

وهو المنع من الصلاة، ومس المصحف، وحمله قصدا إليه، ويستوي في المس الجلد والحواشي ومحل الكتابة، ولا يحمله في خريطة، ولا بعلاقة، ولا في صندوق، ولا يقلب أوراقه بقضيب. ولا بأس بحمله في صندوق أو غرارة أو غير ذلك إذا كان فيها أمتعة مقصودة بالحمل، إلا أن يكون المقصود بحمل ذلك حمل المصحف.
ويجوز مس كتاب التفسير والفقه والدرهم المنقوش وما كتب للدراسة كاللوح للصبيان، فلا يكلف المتعلم الطهارة لمس اللوح. قال ابن القاسم: ولا المعلم عندما يشكلها.
وقال ابن حبيب: يكره مسها للمعلم إلا على وضوء، ويستحب للصبيان مس الأجزاء للتعليم كالألواح والأكتاف، ويكره لهم مس المصحف الجامع إلا على وضوء.

.الباب الرابع: في الغسل:

.والنظر في موجبه وكيفيته.

.النظر الأول: في الموجب.

وموجباته خمسة:

.الأول: انقطاع دم الحيض والنفاس:

وسيأتي حكمها.

.الثاني: الموت:

وسيأتي في الجنائز.

.الثالث: الولادة:

فيجب عليها الغسل وإن كانت ذات جفاف. روى ذلك عبد الله بن عبد الحكم وأشهب.
وقال أبو الحسن اللخمي: طلا غسل عليها، قال: واستحب مالك الغسل، وقال: لا يأتي الغسل إلا بخير.

.الرابع: الإسلام:

فيجب على من أسلم أن يغتسل، وروي أنه مستحب، وبذلك قال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق.
وسبب الخلاف: أن الغسل لكونه جنبا على الرواية المشهورة، وقال القاضي أبو إسحاق: بل هو تعبد، وقد بطل حكم الجنابة بالإسلام، وينبني على ذلك فرعان:
الأول: غسل من لم تتقدم منه جنابة قبل إسلامه.
والثاني: أنه يتيمم إذا فقد الماء، وهو على المنصوص، قال الشيخ أبو الطاهر: وقد يقال: إن من لم يجعل غسله للجنابة لا يلزمه التيمم.

.الخامس: الجنابة:

وهي المقصودة بالذكر، وتحصل بالتقاء الختانين بمغيب الحشفة، وبخروج المني، ثم ليس المقصود الختان، بل لهو قطعت الحشفة فغيب مثلها كفى.
وكذلك إذا أولج في فرج ميتة أو بهيمة أو في الدبر، ولا ختان فيه، وكذلك لو فعلته امرأة بذكر بهيمة. فأما الإيلاج في قبل خنثى مشكل، فخرجه الإمام أبو عبد الله على نقض الطهارة بالشك كاللمس.
فرعان:
الأول: إذا عدم البلوغ في الواطئ والموطوءة أو في أحدهما، فأما إن كانا غير بالغين، فقال الشيخ أبو الطاهر: مقتضى المذهب إلا غسل، قال: وقد يؤمران به على جهة التدرب.
وإن وطء الصغيرة كبيرة فلا يجب عليها الغسل، إلا أن تنزل. وقيل: يجب.
وإن وطئ الكبير صغيرة ممن تؤمر بالصلاة، فقال أشهب: تغتسل: وفي مختصر الوقار: لا تغتسل.
قال القاضي أبو محمد: الخلاف في أمر البالغة بالغسل من وطء غير البالغ إنما هو في حق من تلتذ النساء بوطئه، كالمراهق ومن يقاربه، وقال أيضا: الاتفاق حاصل على سقوط الوجوب عن الموطوءة إذا كانت غير بالغ، وإن كان الواطئ بالغا. لكن أمرها أشهب به إذا كانت ممن تؤمر بالصلاة لأنها لا تصح إلا به، كما يأمرها بالوضوء.
وقال الوقار: لا تؤمر به، لأنها أنما أمرت بالوضوء للتدرب عليه لتكرره، بخلاف الغسل كالصلاة مع الصوم.
الفرع الثاني:
لو جامع فيما دون الفرج، فأنزل، فوصل الماء إليه، فإن أنزلت وجب الغسل، وإن لم تنزل ولم تلتذ لم يجب، وإن التذت ولم يظهر منها إنزال، فقولان:
وجوب الغسل لأن التذاذها قد يحصل به الإنزال ولا يبرز، وغالب حالها الإنزال عند ذلك. قال الشيخ أبو إسحاق: وهو الاختيار للاحتياط.
وقال القاضي أبو الوليد: وهو عندي، معنى قول مالك.
والقول الثاني: نفي الغسل، وهو تأويل ابن القاسم عن مالك.
أما خروج المني، فوجب للغسل إذا كان مقارنا للذة المعتادة. ومني الرجل في اعتدال الحال: أبيض ثخين دافق ذو دفعات يخرج بشهوة ويعقب بخروجه فتورا، ورائحته رائحة الطلع، ويقرب من رائحة الطلع رائحة العجين، ومني المرأة رقيق أصفر.
فلو خرج المني عريا عن اللذة، مثل أن يمرض فيخرج لمرضه، فلا يوجب الغسل، وقيل: يوجبه.
وإذا فرعنا على الأول، فهل يجب الوضوء أو يستحب؟ قولان ينبنيان على نوادر ما يخرج من السبيلين كما تقدم.
ولو قارنته لذة غير معتادة كمن به حكة في جسده حكها، أو اغتسل لها بالماء الحار، فأمنى، ففي إيجاب الغسل عليه بذلك خلاف. وقول سحنون فيهما الوجوب.
واختلف أيضا في وجوبه إذا لدغته عقرب أو ضرب أسواطا أو ضرب بسيف فأمنى، واختيار الشيخ أبي إسحاق: الوجوب في الجميع.
ولو وجدت اللذة المعتادة، لكن تقدمت على خروجه، كمن يجامع فيجد اللذة، أو يلتذ بغير جماع، ولا يكون في شيء من ذلك مني، ثم بعد ذهاب تلك اللذة جملة يكون منه المني، ففي وجوب الغسل ونفيه ثلاثة أقوال:
- الوجوب التفاتا إلى اللذة المتقدمة لتأثيرها في انفصال الماء عن محله.
- والنفي لأنه لا حكم له ما لم يبرز مقارنا لها.
- والتفرقة بين أن يكون عن جماع واغتسل له قبل بروز الماء، ثم برز، فلا يعيد الغسل، وبين أن يكون لم يغتسل له، فإنه يغتسل.
وضعف الإمام أبو عبد الله القول بالتفرقة، ورأى أنه لا وجه له. واختار القاضي أبو بكر وجوب الغسل.
التفريع: إن قلنا بوجوب الغسل، وكان بروز الماء بعد الصلاة، فعليه إعادتها.
وقال ابن المواز: لا تلزمه الإعادة، وهو رأي أبي عبد الله، والقاضي أبي بكر والقولان خلاف في تأثيره بالمفارقة أو البروز، وإن قلنا بإسقاط الغسل أمر بالوضوء، وهل هو على جهة الوجوب أو الندب؟ قولان للبغداديين.
فرع:
لو شك في انتفاض الطهر بأن انتبه فوجد بللا على إحليله لا يرى غير ذلك، ولا يذكر أنه رأى في منامه شيئا، ولا يدري أمذي هو أو مني، وقد أيقن أنه ليس بعرق، فقال مالك: لا أدري ما هذا.
وقال ابن نافع: إن شك اغتسل، وقال علي بن زياد، لا يلزمه إلا الوضوء مع غسل الذكر.
وقال ابن سابق: وهي مبنية على أصل مالك فيمن أيقن بالوضوء وشك في الحدث.
ولو تيقن بأنه مني اغتسل.
ولو رأى في ثوبه احتلاما، وشك في زمن خروجه، إذ كان يابسا ففي الواضحة: يعيد ما صلى من أول نومة نامها فيه.
وقال ابن عبد الحكم: يعيد الصلاة من أحدث نومة نامها فيه. قال في كتاب ابن حبيب: إلا أن يكون يلبسه ولا ينزعه، فإنه يعيد من أول نوم نام فيه.
ولو كان الاحتلام طريا، أعاد من أقرب نومة نامها فيه، قولا واحدا. حكى ذلك ابن سابق.
والمرأة إذا تلذذت بخروج مائها لزمها الغسل، ثم حكم الجنابة حكم الحدث، مع زيادة تحريم قراءة القرآن، ودخول المسجد، وله أن يقرأ الآية ونحوها للتعوذ.
ويفارق الجنب الحائض في جواز قراءة القرآن لها ظاهرا في أشهر الروايتين لحاجة التعلم وخوف النسيان، وفضل ماء الحائض والجنب طهور.
ولا بأس لجنب أن يجامع ويأكل ويشرب، لكن يتوضأ وضوءه للصلاة عند إرادته للنوم، واختلف هل هو مندوب أو واجب؟ والوجوب هو رأي ابن حبيب، واختيار القاضي أبي بكر. وهل سببه رجاء أن ينشط فيغتسل أو لينام على إحدى الطهارتين وعلى تحقيقه يخرج وضوء الحائض وتيمم العاجز.

.(النظر الثاني) كيفية الغسل:

فأوله النية، واستيعاب البدن يصب الماء، والدلك، وقيل: لا يجب الدلك. ووقع القاضي أبي الفرج: أنه يجب لا لنفسه، بل ليصل الماء إلى جميع الجسد.
وسبب الخلاف: هل يسمي أهل اللغة صب الماء من غير ذلك غسلا حقيقة أم لا؟ وإذا فرعنا على المشهور، ففي اشتراط مقارنته لصب الماء من غير تراخ خلاف.
ولا تجب المضمضة والاستنشاق.
ويؤمر إيصال الماء إلى منابت الشعور وإن كثفت، ولا يجب على المرأة نقض ضفائرها، بل تحثي عليها الماء، وتضغثها بيديها، كما جاء في الحديث.
ويخلل الرجل لحيته، وهل ذلك على جهة الوجوب أو الندب؟ روايتان.
والأكمل أن يبدأ بغسل يديه، ثم يزيل ما على بدنه من أذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وإن لم يكن محدثا، ويؤخر غسل الرجلين إلى آخر الغسل في إحدى الروايتين ويفعله في مكانه من الوضوء في الأخرى، ثم يفيض الماء على رأسه، ثم يكرره ثلاثا ويضغثه في كل دفعة.
وماء الوضوء والغسل غير مقدر، وقد ير فق بالقليل فيكفي، ويخرق الكثير فلا يكفي.
وقال الشيخ أبو إسحاق: يتقدر في الأقل بالمد والصاع، قال القاضي أبو بكر: ومراده التقدير بهما في الكيل لا في الوزن.

.الباب الخامس: في التيمم:

وفيه ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: فيما ينقل إلى التيمم:

وهو العجز عن استعمال الماء، وللعجز أسباب ستة:
الأول: فقد الماء.
وللمكلف أربع أحوال:
الأولى: أن يتحقق عدم الماء حواليه، فيتيمم من غير طلب.
الثانية: أن يتوهم وجوده حواليه، فليتردد إلى حد لا يدخل عليه ضرر ولا مشقة، ولا يتحدد ذلك بحد؛ إذ الشاب القوي لا يشق عليه ما يشق على المرأة والرجل المسن.
الثالثة: أن يعتقد وجود الماء في حد القرب، فيلزمه السعي إليه.
وحد القرب ما لم ينته إلى المشقة أو خوف فوات الأصحاب. وروي في كتاب محمد: إذا لم يخف في نصف الميل إليه العناء والمشقة، فمن الناس من يشق عليه.
وقال سحنون: لا يعدل الميلين وإن كان آمنا.
فإن انتهى البعد إلى حيث لا يجد الماء في الوقت، فلا يؤخر إليه.
ويطلب المسافر من رفقته، ولا يلزمه أن يطلب من جميعهم إذا كانوا كثيرا، بل ممن يليه منهم، وإن كانوا قليلا طلب من جميعهم، فإن ترك الطلب من الرفقة، فقال الإمام أبو عبد الله: ذكر بعض أصحابنا أنه إن لم يكن معه إلا الرجلان والثلاثة، فلم يطلب منهم أعاد الصلاة أبدا، وإن ترك طلب العدد القليل الذي أمر به في الرفقة القليلة أعاد في الوقت، وإن ترك الطلب أصلا من الرفقة الكثيرة، لم يعد. قال الإمام: وهذا ضعيف؛ لأن القليل من الرفقة الكثيرة، إذا أمرناه بالطلب منه، كالقليل الذي ليس معه غيره.
فرعان:
الأول: وقت التيمم، وهو بعد دخول وقت الصلاة على المعروف من المذهب، وأجازه الشيخ أبو إسحاق قبل دخوله، وبناه بعض المتأخرين على القول برفع الحدث.
وإذا فرعنا على المعروف فما محله من الوقت؟ قال الإمام أبو عبد الله: اختلفت روايات المذهب في ذلك، قال: والمشهور أن الآيس يتيمم أوله، والراجي يتيمم آخر وقت الاختيار. ومن تساوى عنده الأمران يتيمم وسطه. قال: وروي أن المتيمم على الإطلاق يتيمم آخر الوقت، وقيل: بل وسط الوقت، إلا الراجي فإنه يؤخر. وقيل: بل آخر الوقت، إلا الآيس، فإنه يقدم أول الوقت.
الفرع الثاني:
لو صلى أحد هؤلاء ثم وجد الماء بعد الصلاة، فلا إعادة على من أوقع الصلاة في الوقت المأمور بإيقاعها فيه إلا الشاك المتردد في إدراك الماء في الوقت مع علمه بوجوده، فإنه يعيد في الوقت، لأنه كالمقصر في اجتهاده، والمخطئ في حدسه، ولو أنهاه نهايته لأوشك أن يظهر له أنه يبلغ الماء في الوقت. وينخرط في سلكه الخائف من لصوص على الماء لجواز تقصيره، وكذلك المريض العادم من يناوله الماء لتقصيره في الاستعداد، فحكم هؤلاء التيمم وسط الوقت لأجل الشك، واختصوا بالإعادة في الوقت، دون من لا علم عنده من الماء، لما ذكرناه من تقصيرهم.
فأما من خالف المشهور، فإن آخر ما أمر بتقديمه فلا خفاء بسقوط الإعادة عنه إذا بالغ في الاستظهار، وإن قدم أول الوقت ما أمر بتأخيره إلى آخره، فقيل: يعيد في الوقت خاصة، وقيل: في الوقت وبعده.
وسبب الخلاف: هل التأخير من باب الأولى والأحسن، أو من باب الأوجب؟ إذ به تتحقق الضرورة، وهو محل الوجوب على هذا الرأي. وقيل: بالفرق بين العالم والظان، فتجب الإعادة مطلقا في حق العالم، وتتخصص بالوقت في حق الظان.
وأما إن قدم من أمرنا بالتوسط، فلم يختلف هؤلاء في أنه لا يعيد بعد الوقت.
فرع مرتب: من أمرناه بالإعادة في الوقت، فلم يفعل لأنه نسى أن يعيد بعد أن ذكر، فهل يعيد بعده؟ المشهور أنه لا يعيد، وهو الأصل. وحكى الشيخ أبو الطاهر قولا بالإعادة عند ابن حبيب، ثم قال: ويجزئه في كل من أمر أن يعيد في الوقت، قال: لأنه يرى أنه إذا أمر بالإعادة فقد ترتبت في ذمته، فلا يبرأ إلا بفعلها.
الحالة الرابعة: أن يكون الماء حاضرا بين يديه في بئر، لكن ليس معه آلة يتوصل بها إليه، فيتيمم لأنه فاقد.
ولو وجد الآلة، لكن كان الماء في مهواة بعيدة، فإن اشتغل بالنزع فإنه الوقت، فروايتان. واختيار المغاربة أنه يشتغل بنزع الماء لوجوده، واختيار العراقيين أنه يتيمم لأن عدم القدرة على الاستعمال في الوقت كالعدم المطلق.
وكذلك لو كان الماء بين يديه يمكنه استعماله، لكن لو تشاغل باستعماله خرج الوقت لضيقه، فأولى بوجوب استعماله عند المغاربة لأنه واجد.
وقال القاضي أبو محمد: يتيمم، وحكاه القاضي أبو جعفر الأبهري رواية.
فرع:
لو وجد من الماء ما لا يكفيه لوضوئه أو لغسله لم يلزمه استعماله قبل التيمم، بل هو كالفاقد جملة.
السبب الثاني: أن يخاف على نفسه أو ماله السبع أو سارقا:
فله التيمم، وقيل: إن الخوف على المال لا يلحق بالخوف على النفس في الإباحة.
ولو وهب منه الماء، فقال القزويني: يلزمه قبوله، ليس له أن يتيمم ويترك القبول للمنة، لأنها لا تدرك في مثل هذا.
وقال القاضي أبو بكر: لا يلزمه القبول.
وقال غيرهما: ولا يلزمه القبول إذا وهب ثمن الماء، فإن المنة فيه تثقل.
وقال ابن سابق: يلزمه قبول الماء قولا واحدا، بخلاف الثمن، فإنه لا يلزمه قبوله ويتيمم.
ولو بيع بثمن يجحف به لقلة دراهمه أو لكثرة الزيادة على ثمنه المعتاد، ولم يلزمه شراؤه. وبثمن المثل وما لا يجحف به، يلزمه، إلا احتاج إلى الثمن لنفقة سفره.
السبب الثالث: أن يحتاج إليه لعطشه في الحال:
أو لتوقعه في المآل بأن يغلب على ظنه أنه لا يجد ماء، أو لعطش من معه، فله التيمم إن خاف العطش الذي يهلك. وإن خاف عطشا يمرضه، جرى على الخلاف فيمن خاف من استعمال الماء المرض، كما سيأتي في السبب الخامس.
ولو مات صاحب الماء ومعه جنب الماء إنما يكفي أحدهما، غسل به صاحبه، وهو أولى به؛ إلا أن يحتاج إليه الحي لشربه، فحينئذ هو أولى به، ثم يقوم بثمن الماء للوارث وليس له دفع مثله إذا رجع إلى بلده.
وإن كان الماء بينهما، فقال ابن القاسم: الحي أولى به، وييمم الميت.
وقال القاضي أبو بكر: الميت أولى به.
السبب الرابع: العجز بسبب الجهل:
كما إذا نسي الماء في رحله وتيمم، فإن ذكر بعد الفراغ فثلاثة أقوال:
نفي الإعادة مطلقا، لأنه ليس بقادر في حال نسيانه، قال: وإن أعاد في الوقت فحسن، وهي رواية عبد الله بن عبد الحكم في مختصره.
وقال مطرف وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ: يعيد أبدا، نسيه أو خفي عليه، أو لم يعلم به؛ لأنه بنسيانه مفرط مقصر في الطلب.
وقال ابن القاسم: يعيد في الوقت، وهو قول مراع للخلاف.
وإن ذكر في الصلاة، فعلى الأمر بالإعادة يقطع، وعلى القول بنفيها يتمادى، وتجزئه الصلاة.
فلو أدرج في رحله ولم يشعر به ولم يقطع ولم يقض؛ إذ لا تفريط، وكذلك لو أضل الماء في رحله، فلم يجده مع الإمعان في الطلب، وخشي فوات الوقت، وأولى بعدم القضاء.
وظاهر رواية مطرف ومن ذكر معه يقتضي جريان الخلاف فيهما، فأما لو أضل رحله في الرحال، وبالغ في طلبه حتى خاف فوات الوقت، فإنه يتيمم، ولا إعادة عليه في وقت ولا غيره.
السبب الخامس: المرض الذي يخاف من الوضوء معه فوت الروح:
أو فوت منفعة، وكذلك لو خاف زيادة المرض، أو تأخر البرء، أو حدوث مرض يخاف معه ما ذكرناه، فإنه يتيمم على المعروف من المذهب، قال القاضي أبو الحسن: وكذا إن خاف الصحيح نزله أو حمى، فإن كل ذلك ضرر ظاهر، وروى بعض البغداديين رواية شاذة: أنه لا ينتقل إلى التيمم بمجرد خوف حدوث المرض، أو زيادته إن كان مريضا أو تأخر برؤه.
فإن كان إنما يتألم في الحال، ولا يخاف عاقبة، لزمه الوضوء والغسل.
السبب السادس: استيعاب الشجاج أو الجروح أو القروح أكثر جسد الجنب:
أو أكثر أعضاء الوضوء من المحدث حتى لم يبق إلا يد أو رجل فيسقط عنه استعمال الماء ويتيمم، ولا يلزمه الجمع بين الماء والتيمم ولا الإعادة إذا صح.
فرعان:
الأول: لو ترك من هو بهذه الحال التيمم، وغسل ما صح من جسده، ومسح على الجبائر في سائره لم يجزه ما فعل؛ لأنه ترك فرضه وهو التيمم. قال أبو بكر بن عبد الرحمن: وهو بمثابة من وجد من الماء دون كفايته للغسل، أو للوضوء، فأراد أن يمسح به جسده أو أعضاءه، فإن المسح لا يجزئه.
الفرع الثاني:
عدم الحاضر الصحيح الماء، وخشي فوات الوقت، فمقتضى التأصيل المتقدم أنه يتيمم، وهي الرواية المشهورة، وروي في غير الكتاب: أنه لا يتيمم بحال.
وإذا فرعنا على الأول، فهل يعيد؟ المشهور أنه لا إعادة عليه.
وقال ابن عبد الحكم وابن حبيب: يعيد أبدا، قال ابن حبيب: وإليه رجع مالك.

.الفصل الثاني: في كيفية التيمم:

.وله أربعة أركان:

.(الركن) الأول: القصد إلى الصعيد:

وهو وجه الأرض ولا يتخصص بذلك التراب على المشهور، ولا يلزم النقل، بل يجزي التيمم على الحجر الصلد والرمل والسباخ والنورة والزرنيخ وجميع أجزاء الأرض، ما دامت على جهتها لم تغيرها صنعة آدمي بطبخ ونحوه، وسواء فعل ذلك مع وجود التراب أو عدمه. وقيل: لا يجزئ بغير التراب مطلقا. وخصص ابن حبيب الإجزاء بعدم التراب.
وفي جواز التراب على الثلج ومنع روايتان لابن القاسم وأشهب، وفي التيمم على الملح خلاف أيضا، وأولى بالصحة.
فرع:
لو تيمم على موضع نجس، فقال ابن القاسم: يعيد في الوقت. قال القاضي أبو محمد: ويحكى منع التيمم بالصعيد النجس عن محمد بن عبد الحكم، ثم اختاره، وذكر أنه اختيار الشيخ أبي بكر.

.الركن الثاني: أن ينوي استباحة الصلاة:

ويستوي في ذلك حال المحدث والجنب في حالة الذكر، وفي استوائهما في حالة النسيان روايتان.
ولو نوى استباحة الفرض جاز النفل أيضا معه للتبعية، لكن بعده، فلا يصلي ركعتي الفجر بتيمم الصبح، وقيل: يصليهما، ورواه محمد بن يحيى.
ولو نوى فرضين صح تيممه، ولا يصلي به أكثر من فرض واحد على المشهور.

.الركن الثالث: أن يستوعب وجهه بالمسح:

يبدأ مارا بيديه من أعلاه إلى أن يستوفيه، ويراعي الوترة، وهي حجاب ما بين المنخرين.

.(الركن) الرابع: مسح اليدين إلى المرفقين:

ولا يغفل شيئا، ويخلل الأصابع، وينزع الخاتم على المنصوص.
وقيل: إن اقتصر على المسح إلى الكوعين أجزأه.
فرعان:
الأول: إذا فرعنا على المشهور، فاقتصر على الكوعين، فقال ابن القاسم: يعيد في الوقت، وقال غيره: يعيد أبدا.
الفرع الثاني:
هل تراعى الصفة في مسح اليدين أم لا؟ قولان، المشهور مراعاة الصفة فيهما، وهي أن يبدأ بيسرى يديه يمسح بها ظاهر اليمنى مارا إلى المرفق، ثم يعيد على الباطن مارا إلى الكف، وفي اليسرى كذلك، ولم يراع هذه الصفة محمد بن عبد الحكم.
وأجرى أبو الحسن اللخمي الخلاف في ذلك على مراعاة التراب، فتراعى الصفة، وعدم مراعاته فلا تراعى.
وقال غيره من المتأخرين: إنا وإن لم نراع التراب فنراعي حكمه، قال: ودليله أنا لا نراعيه على المشهور، وقد راعينا الصفة فيه.
فرع مرتب: إذا قلنا بالمشهور في مراعاة الصفة، فهل يمسح كفه اليمنى قبل الشروع في اليسرى أو يشرع فيها إذا وصل إلى الكوع، ثم إذا وصل إليه من الأخرى مسح الكفين بعضهما ببعض؟ قولان: والأول اختيار الشيخ أبي الحسن وأبي محمد عبد الحق، والثاني قول ابن حبيب وروايته، وقد تؤولا من لفظ الكتاب.
والمأمور به ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين.
فإن اقتصر على ضربة واحدة، فقال ابن نافع: يعيد أبدا. وروى ابن القاسم: إذا تيمم بضربة واحدة للوجه واليدين رجوت أن تجزئه. قال ابن القاسم: ولا يعيد في وقت ولا غيره، وفي المختصر أيضا: لا إعادة عليه، وقال ابن حبيب: وقيل: يعيد في الوقت.
ومما يندرج تحت الكلام على الكيفية حكم الترتيب والموالاة، وحكمهما في ذلك حكمهما في الوضوء.